وعليه فإن ما نراه اليوم في واقع المسلمين من إهمال الدعاء -بل ولو كان الدعاء مساوىً بالإهداء- مخالف لهدي السلف الصالح. وهو أكمل الهدي وأفضله. فالواجب على دعاة المسلمين في كل مكان وعلمائهم ووعاظهم أن يبينوا هذا للمسلمين، فإن المشاهد الآن أن الناس يغفلون عن طاعة الله ويغفلون عن عبادة الله، وينظرون إلى العبادات وإلى الطاعات نظرة من لا يعبئون بها، إلا من شاء الله، حتى إذا مات الميت تذكر أهله أنه يحتاج إلى الأجر وأنه يحتاج إلى العمل الصالح، فابتدعوا تلك البدع، كاستئجار من يقرأ القرآن، وإقامة العزاء وذبح الذبائح، وما أشبه ذلك مما يدخل في باب النياحة أو غيره من أبواب البدع. فهنا فقط أحسوا بأن هذا الميت يحتاج إلى الأجر، مع أن التقصير كان كثيراً في حياته، فأين كان الابن الذي يهدي هذه الهدايا ويفعل هذه الأعمال على ما فيها من بدع في حياة أبيه؟ لم لم ينصحه؟ فكثير من الناس يهمل جانب النصيحة لأبيه أو لأخيه أو لقريبه، ويهمل جانب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وبيان أسباب تقوية الإيمان وزيادته، وأسباب الارتباط بالله سبحانه وتعالى وبعبادة الله، يهمل ذلك كثيراً ولا يبالي، فإذا وقعت الواقعة بدأ يعمل هذا، ومع مرور الزمن أصبح بر الأب وعمل الخير الذي تريد أن تعمله لأبيك كأنما يبدأ بعد موته، فإذا مات بدأ الناس يأتون بهذه الأعمال التي تخالطها البدع، مع أنه لو ذُكِّر بالله في حياته ودعي إلى الخير واجتهد هو في طاعة الله لكان ذلك خيراً له، فهذا هو الأصل، ولا يتعارض هذا مع الإهداء المشروع بعد الموت، فيكون خيراً إلى خير، أما أن يتكل على هذا ويغفل عن الأساس؛ فهذا هو الخلل الذي دخل في حياة المسلمين اليوم، وذلك بسبب أنهم تركوا وخالفوا منهج السلف الصالح رضوان الله تعالى عليهم في هذا الشأن، كما هو الحال في كثير من الأمور، نسأل الله أن يهدي ضال المسلمين؛ إنه سميع مجيب.